"الأمم المتحدة" تحذّر من انهيار الدولة في هايتي وتدعو لتحرك دولي لوقف العنف
"الأمم المتحدة" تحذّر من انهيار الدولة في هايتي وتدعو لتحرك دولي لوقف العنف
حثّ الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لشؤون أوروبا وآسيا الوسطى والأمريكتين، ميروسلاف جينتشا، المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع انهيار الدولة في هايتي، في ظل تفاقم العنف وتدهور الأمن العام.
ووفقا لتقرير نشره موقع "ريليف ويب" التابع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، اليوم الاثنين، قدّم جينتشا، خلال إحاطته لمجلس الأمن مؤخرا، تقييماً قاتماً للوضع، مؤكدًا أن العاصمة بورت أو برنس باتت "شبه مشلولة" بفعل توسّع نفوذ العصابات وغياب سيادة القانون، ورأى أن استمرار غياب الرد الدولي الحازم قد يجعل انهيار سلطة الدولة في العاصمة أمرًا واقعًا خلال وقت قريب.
وأشاد جينتشا بجهود السلطات الهايتية ومكتب الأمم المتحدة المتكامل في هايتي (BINUH) في دعم العملية الانتقالية، بما في ذلك المضي قدمًا في مراجعة الدستور والتحضير لإجراء الانتخابات، وفق اتفاق أبريل 2024.
وأشار إلى أن اعتماد مرسوم الاستفتاء الدستوري وقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية يمثلان خطوات إيجابية، لكنه حذّر من وجود خلافات داخلية حول إمكانية الالتزام بالموعد النهائي في فبراير 2026، لتنصيب سلطات تنفيذية وتشريعية جديدة.
ورأى أن أي تأجيل قد يقوّض شرعية العملية الانتقالية ويزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في البلاد.
وثمّن جينتشا الدعم الذي قدّمته منظمة الدول الأمريكية ومجموعة الكاريبي لتعزيز الانتقال السياسي في هايتي، لكنه شدد على أن مستوى الدعم الحالي لا يكفي لاحتواء تدهور الأمن.
ورحّب بالجهود التي تبذلها مجموعة الشخصيات البارزة لتعزيز الحوار بين الأطراف الهايتية، داعيًا إلى تنسيق أكبر مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وتفعيل خطة العمل الخاصة بهايتي التي يُنتظر تقديمها من قبل الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية.
تهجير جماعي للسكان
رصد جينتشا تصاعدًا حادًا في عنف العصابات، مشيرًا إلى أن الهجمات لم تعد تقتصر على العاصمة، بل امتدت إلى مقاطعات أرتيبونيت وسنتر، حيث شهدت مدينة لا شابيل نزوح 8890 شخصًا نتيجة هجوم دموي في 22 يونيو، مؤكدا أن هذا العنف ممنهج ويهدف إلى تقويض سلطة الدولة بالكامل، من خلال مهاجمة مؤسسات الدولة، بما في ذلك المراكز الأمنية.
وأوضح أن عدد ضحايا جرائم القتل العمد خلال النصف الأول من عام 2025 بلغ 4026 شخصًا، بينهم 376 امرأة و89 طفلًا، بزيادة 24% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما وصل عدد النازحين داخليًا إلى 1.3 مليون شخص، وهو أعلى رقم يُسجَّل في تاريخ البلاد.
ونبّه جينتشا إلى تزايد اعتماد بعض المجتمعات المحلية على جماعات "الدفاع الذاتي"، بعد تراجع قدرة الدولة على الحماية، موضحا أن تلك الجماعات، رغم دورها الظاهري في توفير الأمن، ترتكب انتهاكات خطيرة، أبرزها القتل خارج نطاق القانون.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، وثّقت الأمم المتحدة مقتل ما لا يقل عن 101 شخص، بينهم امرأة، على يد هذه الجماعات، تحت شبهة الانتماء للعصابات، وأكّد أن هذه الممارسات تعمّق دائرة العنف وتغذّي الانتقام، بدلًا من تحقيق العدالة.
عنف جنسي ممنهج
ركّز جينتشا على تصاعد العنف الجنسي الممنهج الذي تمارسه العصابات، وخاصة ضد النساء والفتيات، باعتباره وسيلة لبسط السيطرة وبثّ الرعب، ورغم ضعف الإبلاغ نتيجة الخوف والوصمة، سجّل مكتب الأمم المتحدة في هايتي 364 حادثة عنف جنسي خلال شهري مارس وأبريل فقط، شملت 378 ناجية.
أكد جينتشا دعم الأمم المتحدة للشرطة الوطنية الهايتية في تحسين آليات التحقيق وتقديم الدعم المتكامل للضحايا، داعيًا السلطات إلى مواجهة الإفلات من العقاب واتخاذ إجراءات حاسمة لحماية النساء والفتيات من هذه الجرائم.
وأحيا جينتشا الذكرى السنوية الأولى لوصول أولى وحدات بعثة الدعم الأمني متعددة الجنسيات بقيادة كينيا، مشيدًا بالتزام كينيا ومقدّمًا التعازي في وفاة اثنين من عناصر الشرطة.
وأقرّ بصراحة بأن البعثة والشرطة الوطنية لم تتمكنا بعد من استعادة السيطرة الأمنية، مشيرًا إلى نقص التمويل والحاجة العاجلة إلى تبرعات إضافية لصندوق البعثة الاستئماني لضمان استمرارية عملياتها.
وأكّد أن مقترح الأمين العام بإنشاء مكتب دعم لوجستي تابع للأمم المتحدة هو استجابة واقعية لحجم التحدي الأمني، ويجب أن يكون نقطة انطلاق لمرحلة استقرار حقيقية في البلاد.
وأوضح جينتشا أن مكتب الأمم المتحدة في هايتي (BINUH)، الذي أُنشئ عام 2019، لم يُصمم للعمل في بيئة أمنية معادية كما هو الوضع اليوم، لكنه استمر رغم تقليص عدد موظفيه الدوليين.
قدرات الإجلاء محدودة
وكشف أن قدرات الإجلاء باتت محدودة جدًا، إذ لا توجد سوى مروحية واحدة متوفرة عبر خدمات النقل الجوي الإنساني (UNHAS)، بسبب استمرار إغلاق الرحلات التجارية والحصار الذي تفرضه العصابات على العاصمة.
وأشار إلى أن الأمانة العامة والمكتب الأممي أجريا مراجعة لهيكل عمل المكتب، تقضي بتحويله إلى بعثة أصغر وأكثر تركيزًا، مع تعزيز ميزانية الإجلاء والأمن ضمن إطار عام 2026.
اختتم جينتشا إحاطته بدعوة صريحة إلى المجتمع الدولي بعدم التخلي عن هايتي في هذه اللحظة الحرجة، وشدد على أن "التحرك الآن سيكون أقل كلفة وأقل تعقيدًا مما قد تفرضه كلفة الانهيار الكامل"، داعيًا إلى قرارات عاجلة توقف الانزلاق نحو الفوضى، أكد التزام الأمم المتحدة بمواصلة دعم الشعب الهايتي، وحقه في العيش بكرامة وأمان بعيدًا عن العنف والفوضى.